لبنان: 96171010310+     ديربورن: 13137751171+ | 13136996923+
23,189 مشاهدة
A+ A-

علي منصور

وُلدت “المناصفة” كصيغة تهدف إلى طمأنة المكوّن المسيحي بعد الحرب الأهلية اللبنانية، لا على أساس ديموغرافي، بل كخطوةٍ ميثاقية لخلق توازن رمزي بين المسلمين والمسيحيين. فالمادة 24 من الدستور المعدَّلة بموجب اتفاق الطائف، كرّست مبدأ المناصفة في مجلس النواب، رغم أن التعداد السكاني الحقيقي لا يُبرّر هذا التوازن العددي. وقَبِل المسلمون – شرط المشاركة – بهذه الصيغة، إدراكًا منهم لأهمية الشراكة وحماية التنوع في بلدٍ لا يعيش إلا بتفاهم مكوّناته.

لكن، ما كان يُفترض أن يكون ضمانةً للتآكل العددي، تحوّل مع الوقت إلى آلية للابتزاز السياسي، تُستخدم تحت عنوان “الميثاقية”، لتكريس الهيمنة وإقصاء المكوّنات الأخرى، خصوصًا حين يقع تفسير هذا المفهوم على هوى الطرف الأقوى صوتًا في الطائفة المسيحية، وتحديدًا التيارات اليمينية.

المادة 122: عنوان الصراع الجديد

اليوم، يعود الجدل حول المادة 122 من قانون الانتخاب، التي تكرّس تخصيص ستة نواب للمغتربين، يُنتخبون من خارج تقسيم الـ128 نائبًا المقيمين، أي ضمن دوائر خاصة تمثّل القارات الست. ورغم أن هذه المادة أُقرّت في إطار إصلاحي لتثبيت حق اللبنانيين في الخارج بتمثيل مستقل، نشهد اليوم حملة منظمة لإلغائها  ، يقودها معسكر “السيادة المسيحية” ممثَّلًا برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس الكتائب سامي الجميّل، والبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدعم من منظمات وجمعيات “مدنية” ترتبط بتمويل خارجي معروف الوجهة والهدف.

والسؤال البديهي: لماذا الآن؟ ولمصلحة مَن؟

الجواب لا يحتاج إلى عناء كبير. فوفق وزارة الخارجية، يُقدَّر عدد اللبنانيين الذين يحق لهم الاقتراع في الخارج بأكثر من مليون ناخب. لكنّ غالبيتهم تعيش في بيئات سياسية أو قانونية يصعب فيها على “المغترب الشيعي” المشاركة بحرية في العملية الانتخابية، سواء بفعل القيود القانونية، أو الرقابة الأمنية (كما في أوروبا وأميركا وأستراليا ودول الخليج)، أو حتى بسبب الوصمة السياسية التي تلاحق “الشيعة” أينما ذهبوا.

في المقابل، يتمتع ناخبو الأحزاب المسيحية بحرية التعبئة والتنظيم وجني التبرعات وإقامة المهرجانات الانتخابية، ويتحرّكون عبر مؤسسات مدنية ودينية وكنسية اغترابية ضخمة، بعضها يحظى بدعم مباشر من الدولة المضيفة، أو من جهات مانحة تُروّج لرؤية سياسية محددة. وهكذا، يتحوّل الصوت الاغترابي إلى “ذخيرة انتخابية” أحادية الاتجاه، تعيد إنتاج قوى برلمانية لا تعكس موازين الداخل اللبناني بقدر ما تُفرَض من خارجه.

جعجع: الهدف هو كسر الثنائية… والسيطرة على رئاسة المجلس

في كلامٍ واضح ومباشر، لم يُخفِ جعجع هدفه الحقيقي من تعديل قانون الانتخاب، المتمثّل بكسر الثنائية الشيعية، ومنع حركة أمل وحزب الله من تسمية رئيس مجلس النواب. بل ذهب أبعد من ذلك في طرحه الأخير، حين دعا إلى انتخاب “رئيس شيعي سيادي” من معسكره، في ما يشبه الانقلاب الناعم على روح المناصفة والشراكة.

رئيس مجلس النواب، على خلاف رئيس الجمهورية، يُنتخب بالنصف زائد واحد، وهو ليس بحاجة لأكثرية الثلثين الضرورية لانتخاب رأس الجمهورية. وبالتالي، فإنّ ما يقوله جعجع هو أنه فور انتخاب (الخرق المزمع) نائب شيعي “سيادي” مع أكثرية بسيطة، سينتخبونه رئيسًا لمجلس النواب!

وهذا نهج يعيد إلى الأذهان أنماط التمييز قبل “الطائف” التي ظننا أنّها طُويت، حيث تُوزَّع المواقع على أساس طائفي شكلي، بينما يُحتكر القرار فعليًا من قبل فريقٍ يُمسك بمفاصل السلطة، مستندًا إلى شرعيةٍ قانونية أو دستورية مشوّهة.

استقواء بالعدو لتغيير الداخل

لكن الأخطر من كلّ ذلك، أن هذا المشروع السياسي لا يعتمد فقط على أدوات داخلية أو انتخابية، بل على تحالفات إقليمية ودولية، من بينها تقاطع غير معلن مع مصالح إسرائيلية واضحة. فخلف خطاب “السيادة” و”نزع السلاح”، هناك محاولات لفرض وقائع سياسية تتناغم مع الطروحات الإسرائيلية حول “تحييد لبنان”، وتفكيك عناصر قوته، وإعادة تشكيل النظام اللبناني بما يضمن أمن العدو واستقراره على الحدود.

لقد أصبح من المسلَّم به أن معسكر اليمين المسيحي اللبناني يرى في إسرائيل طرفًا وديعًا وودودًا، وشريكًا ضمنيًا في مشروع تغيير ميزان القوى الداخلي، سواء عبر الضغوط الدولية، أو من خلال رسم خطوط حمراء تُكبّل أي مكوّن لبناني يملك قدرة الردع أو الاعتراض. والنتيجة ليست أقلّ من انقلاب مقنّع على الصيغة اللبنانية، يُنفَّذ بأدوات “دستورية”، لكن بروح سياسية تتغذى على الخارج… وتتحيّن الفرص للانقضاض على الداخل.

جعجع: من الميثاقية إلى ما يشبه الأبارتهايد المقنّع

المناصفة مشروطة بالمشاركة، هكذا نصّ “الطائف”، الذي أوجب اعتماد الدوائر الانتخابية الكبرى مع اعتماد النسبية الكاملة. قانون الانتخابات الحالي ألغى المشاركة ببدعة الصوت التفضيلي، والعمل جارٍ على ضرب حزام نار انتخابي يُلفّ على “خاصرة” لبنان  الرخوة: المغتربون الشيعة.

سمير جعجع، الذي سُدّت بوجهه كل سُبل الأرض والسماء للوصول إلى سدّة الرئاسة، لا تكفيه المناصفة فقط، لأنها لا تؤمّن وصوله لقصر بعبدا. لا يريد لأحد أن يشاركه في انتخاب “نصفه” الصافي، بل ويسعى لمشاركة الآخرين بأرباعهم وأعشارهم! وهو يرى أن الهوّة الديموغرافية تُعوّض بفرض “صيام انتخابي” على “الانتشار الشيعي” في العالم، في محاولة للعودة إلى صيغة ما قبل الطائف، ما دامت الظروف الإقليمية مؤاتية، وما دامت إسرائيل جاهزة لاستنساخ حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.

وصفة “حكيم” لحكمٍ جديد ونظام قائم على الامتيازات الطائفية؟ أليست هذه نسخة ناعمة من نظام الأبارتهايد، حيث تُكرَّس مكاسب فريق على حساب الأكثرية، بحجة “حماية الأقلية”؟

هل آن أوان المراجعة الدستورية؟

ما يجري اليوم يفرض نقاشًا صريحًا حول “المناصفة”. فهل “اليمين المسيحي” يريد الشراكة فعلاً؟ أم أنه يريدها وسيلة لإعادة إنتاج التفرّد والإقصاء؟ وإذا كان المسيحيون، المُمَثَّلون بجعجع والجميل وسواهم، نالوا حقهم المعنوي والسياسي من خلال هذه الصيغة، فهل يُمكنهم الاستمرار في مطالبة الآخرين بالتنازل باسم الخوف والطمأنة… حتى يبتلعوا الدولة؟

وإذا ظنّ أحدٌ بأنّ الواقع السياسي والعسكري سيبقى أسير معادلات الحرب الإسرائيلية إلى الأبد، فهو مخطئ وواهم. فالدولة لا تُبنى على الامتياز والاستقواء بإسرائيل وأميركا. وإذا كانت نزوات البعض ورهاناتهم تبرّر قهر مكوّن لبناني أساسي وتُغفل حقوقه، وتُملي عليه خياراته – وهو الأكثر قدرة على الثورة والتغيير – فقد آن الأوان لإعادة النظر بكلّ الصيغة اللبنانية من أساسها… هذا ما يدور في نقاشات الجمهور الشيعي في لبنان والعالم…
 


تغطية مباشرة آخر الأخبار

  • جيروزاليم بوست عن سفير "إسرائيل" لدى الأمم المتحدة: حان الوقت لحل اليونيفيل
  • العدل الأميركية: مقتل 3 وإصابة 30 آخرين في حادثة إطلاق النار في مدرسة في مينيابوليس الأميركية.
  • توقيف امرأة اردنية متورطة في توضيب 13 كلغ كبتاغون داخل علب للحلويات لتهريبها عبر مطار بيروت! تتمة...
  • أورتاغوس تلتقي مصمم الأزياء اللبناني العالمي إيلي صعب تتمة...