مقالات

جلسة الجمعة والكارثة الأمنية المفتوحة.. مطالب تفوق قدرات الجيش وفراغ قد يجرّ البلاد إلى الفوضى.. وتخوف من مرحلة أمنية صعبة تدار بالاغتيالات الاسرائيلية على طريقة "اقتُل المفاوض"!

خاص موقع بنت جبيل 

تبدو جلسة مجلس الوزراء المقررة يوم الجمعة مفصلية إلى حد بعيد، إذ تتجه الأنظار إلى ما إذا كانت ستُعقد وفق جدول أعمال متوازن أو أنّها ستتحوّل إلى ساحة مواجهة مباشرة حول بند حصريّة السلاح. فالاتصالات السياسية ما زالت تدور في الكواليس لتأمين مشاركة جميع الأطراف، غير أنّ الثنائي الشيعي يربط حضوره بعدم حصر النقاش ببند السلاح وحده، وإلا فإن خيار المقاطعة يصبح مرجحاً. وفي حال أصرّ رئيس الحكومة على طرح البند بمعزل عن أي تسويات أو مقايضات، فإن الأمر قد يفتح الباب أمام انسحاب أو حتى استقالة وزراء الثنائي، ما يعني دخول البلاد في أزمة حكومية خانقة قد تتدحرج سريعاً إلى شلل كامل في عمل السلطة التنفيذية. 
الأخطر في المشهد أنّ الانقسام لا يقف عند حدود الخلاف السياسي، بل ينذر بتصدّع داخلي يتجاوز الحكومة ليصيب بنية النظام ككل. فتمرير بند حصريّة السلاح دون توافق وطني يُقرأ داخلياً على أنّه استجابة لإملاءات خارجية أميركية وإسرائيلية بالدرجة الأولى، وهو ما يرفضه حزب الله وحركة أمل بشكل قاطع. ولذا تبرز عدة سيناريوهات، بعضها يقوم على تدوير الأزمة وتأجيل البند تحت عناوين إجرائية أو تقنية بحجة الحاجة إلى مزيد من المشاورات، وبعضها الآخر يضع الجيش اللبناني في الواجهة عبر تقديم خطة نظرية ترفع الكرة مجدداً إلى ملعب الحكومة وتُبقي التنفيذ معلقاً إلى أجل غير مسمّى، فيما يلوح سيناريو أكثر خطورة يتمثل في تحوّل الحكومة إلى فريق واحد إذا انسحب الثنائي، فتتحول الجلسة من مساحة لإدارة الخلاف إلى ساحة انقسام مؤسسي قد لا يملك أحد القدرة على ضبط تداعياته.
في موازاة ذلك، لا يمكن إغفال احتمالات المقايضة السياسية، حيث قد يجري ربط ملف السلاح بملفات أخرى كالتعيينات أو الإصلاحات المالية أو حتى الاستحقاق الرئاسي. مثل هذه المقايضات قد تشكّل مخرجاً مؤقتاً، لكنها تعكس في جوهرها أنّ الأزمة أعمق من قدرة الداخل على معالجتها، خصوصاً في ظل الضغوط الأميركية المباشرة وزيارات مسؤولي الأمن إلى بيروت للضغط على الجيش والحكومة معاً. وإذا تعثرت التسويات، يصبح الشارع بديلاً طبيعياً للتحرك عبر التظاهرات وقطع الطرق والرسائل الميدانية، وهو ما يفتح الباب أمام تدخّل خارجي أشد وضوحاً وربما إعادة طرح القرارين 1559 و1701 بصيغة معدّلة تحت عنوان تدويل الأزمة اللبنانية. وفي هذه الحال، يجد الجيش نفسه في قلب العاصفة بين تنفيذ قرار حكومي محفوف بالمخاطر وبين تفادي الصدام مع جمهور واسع، الأمر الذي قد يترك أثراً بالغاً على صورته وعلاقته بالمكوّنات الشعبية.
الأفق الأمني بعد الجلسة يبدو معقداً بدوره، إذ من غير المستبعد أن تشهد البلاد تحركات شعبية واحتجاجات قد تتطور إلى احتكاكات مباشرة مع القوى الأمنية أو مع جمهور سياسي آخر، وخصوصاً في مناطق التماس التقليدية كالعاصمة وضواحيها. كما لا يُستبعد أن يوجّه حزب الله رسائل (غير حربية) في الجنوب، في إشارة مزدوجة للداخل والخارج بأنّ أي محاولة لتغيير قواعد اللعبة داخلياً ستنعكس مباشرة على الحدود مع إسرائيل خصوصاً مع اعلان نتنياهو عودة المدارس و الحياة الى الشمال. وفي هذا السياق برزت خلال اليومين الماضيين رسالة واضحة مفادها أنّ الحزب سيتوقف عن أي تعاون جنوب الليطاني إذا مضت الحكومة في موقفها المتشدد من السلاح، ما يعني عملياً تعطيل التنسيق القائم مع قوات اليونيفيل والجيش اللبناني في تلك المنطقة الحساسة. هذه النقطة بالغة الخطورة لأنها تفتح الباب أمام فراغ أمني في منطقة تُعد الأكثر عرضة للاشتباك، وتزيد احتمالات الحوادث الميدانية مع القوات الدولية، كما أنها تبعث إشارة واضحة إلى إسرائيل بأن الحزب مستعد لرفع سقف المواجهة إذا استمر الضغط السياسي. الأخطر أنّ ذلك يضع الجيش اللبناني أمام اختبار قاسٍ، إذ يُطلب منه ملء فراغ يفوق إمكاناته الميدانية، ما يجعله أمام تحد مزدوج: مواجهة الداخل من جهة وضبط حدود الجنوب من جهة أخرى.
وفي موازاة هذه الصورة الداخلية المأزومة، تعطي المعطيات الإقليمية لبنان فرصة إضافية لالتقاط الأنفاس، إذ إن إسرائيل، بحسب ما يُتداول في الكواليس، لا تضع الملف اللبناني حالياً في سلّم أولوياتها، فهي منشغلة بغزة واليمن والضفة الغربية، وقد أعادت نشر قواتها من الحدود الشمالية إلى جبهة غزة، الأمر الذي يقلل من احتمال أي رد عسكري واسع في المرحلة القريبة. كما أنّ الضغوط العربية تراجعت بعدما خشيت دول عدة أن تُحمَّل مسؤولية أي انفجار في لبنان، فاختارت التمهّل والتدرج بدلاً من ممارسة ضغط مباشر، بالتوازي مع انخراط مصري في قنوات تواصل مع الإيرانيين لاحتواء التوتر.
لكن ذلك لا يلغي المخاطر الداهمة، إذ تبقى الاغتيالات وتوسّعها احتمالاً مطروحاً في ضوء ما يُعرف باستراتيجية “اقتُل المفاوض”، كما كشف الكاتب السياسي ناصر شرارة في إحدى مقابلاته. فهو أشار إلى أنّ هذه الاستراتيجية الإسرائيلية الخطيرة تقوم على أساس أنّ تل أبيب، المنشغلة بملفات غزة والضفة وسوريا، لا ترغب في أي تسوية مع لبنان، بل تميل إلى خلط الأوراق عبر استهداف الشخصيات المحورية في أي عملية تفاوض. وبحسب ما نُقل، فإن هذه المقاربة طُرحت داخل النقاشات الإسرائيلية كخيار بديل عن وقف الحرب، حيث جرى اعتبار أنّ اغتيال المفاوض يقطع الطريق على أي تسوية ويُنهي الحوار من أساسه. ووفق شرارة، فإن هذا السيناريو يضع شخصيات بارزة في دائرة الخطر، مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري أو قيادات في حزب الله، إذ يُنظر إلى أي ضربة تطالهم على أنها كفيلة بقلب موازين القوى. وبذلك تتحول ورقة الاغتيال إلى أداة سياسية وأمنية متقدمة ضمن خطة إسرائيلية أوسع تهدف إلى إبقاء لبنان في حالة اضطراب دائم.

إجمالاً و بالعودة الى جلسة الجمعة ، تبدو اختباراً بالغ الحساسية، لن يخرج منها لبنان بحسم نهائي بل بخيار تأجيل الأزمة وإدارتها على قاعدة شراء الوقت. غير أنّ ما يليها يظل مفتوحاً على مروحة واسعة من الاحتمالات: استمرار التهدئة المؤقتة، اهتزاز أمني محدود، أو حتى تصعيد كبير إذا تبدلت أولويات إسرائيل أو تفجرت الساحة السورية، بما قد يدفع البلاد إلى نفق سياسي وأمني يصعب الخروج منه بسهولة.